الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية (نسخة منقحة)
.ذكر حديث الصلح: فمضى إليه وعرفه ما قال فرده إليه ومعه رسول إفرنجي وقال يقول الملك: إن قاعدة الإفرنج أنه إذا أعطى واحد لواحد بلداً صار تبعه وغلامه وأنا أطلب منك هذين البلدين يافا وعسقلان وتكون عساكرهما في خدمتك دائماً وإذا احتجت إلي وصلت إليك في أسرع وقت وخدمتك كما تعلم خدمتي. فكان جواب السلطان: حيث دخلت هذا المدخل فأنا أجيبك بأن نجعل هذين البلدين قسمين أحدهما لك وهو يافا وما وراءها والثاني لي وهو عسقلان وما وراءها. ثم سار الرسولان ورحل السلطان إلى الثقل وكان المخيم ببازور ورتب النقابين لذلك واليزك عندهم وسار حتى أتى الرملة فخيم بها يوم الأحد العشرين من رجب ووصل إليه الرسول مع الحاجب أبي بكر فأمر بإكرامه والإحسان إليه وكانت رسالته الشكر من الملك على إعطائه يافا وتجديد السؤال في عسقلان ويقول إنه إن وقع الصلح في هذه الأيام سار إلى بلاده ولا يحتاج أن يشتي هاهنا فأجابه السلطان في الحال بقوله: أما النزول عن عسقلان فلا سبيل إليه وأما تشتيته هاهنا فلا بد منه لأنه قد استولى على هذه البلاد ويعلم أنه متى غاب عنها أخذت بالضرورة كما تؤخذ أيضاً إذا أقام إن شاء الله تعالى. وإذا سهل عليه أن يشتي هاهنا ويبعد عن أهله ووطنه مسيرة شهرين وهو شاب في عنفوان شبابه ووقت اقتناص لذاته أفلا يسهل علي أن أشتي وأصيف وأنا في وسط بلادي وعندي أولادي وأهلي ويأتي إلى ما أريد وأنا رجل شيخ قد كرهت لذات الدنيا وشبعت منها ورفضتها عني والعسكر الذي يكون عندي في الشتاء غير العساكر الذي يكون عندي في الصيف وأنا أعتقد أني في أعظم العبادات ولا أزال كذلك حتى يعطي الله النصر لمن يشاء. فلما سمع الرسول ذلك طلب أن يجتمع بالملك العادل فأذن له في ذلك فسار إلى خيمته وكان قد تأخر بسبب مرض اعتراه إلى موضع يقال له صمويل فسار الرسول إليه مع جماعة ثم بلغ السلطان أن عسكر العدو قد رحل من عكا قاصداً يافا للإنجاد فجمع أرباب الرأي وعقد مشورة في قصدهم فاتفق الرأي على أنهم يقصدونهم ويرحل بالثقل إلى الجبل ويقصدونهم جريدة فإن لاحت فرصة انتهزوها وإلا رجعوا عنهم وهذا أولى من أن نصبر حتى تجتمع عساكر العدو ونرحل إلى الجبل في صورة منهزمين وأما إذا وصلنا الآن ففي صورة طالبين فأمر السلطان الثقل أن يسير إلى الجبل عشية الاثنين الحادي والعشرين من رجب وسار هو جريدة في صبيحة يوم الثلاثاء حتى نزل على العوجاء ووصل إليه من أخبره أن عسكر العدو قد وصل قيسارية ودخل عليها ولم يبق فيه طمع وبلغه أن الأنكتار قد نزل خارج يافا في نفر يسير بخيم قليلة فوقع له أن ينتهز فيه الفرصة ويكبس خيمه وينال منهم غرضاً وعزم على ذلك وسار من أول الليل والأدلة من العرب تتقدمه وهو يقطع الطريق إلى أن أتى في الصباح إلى خيام العدو فوجدها تقريباً عشر خيم فداخله الطمع وحملوا حملة الرجل الواحد فثبتوا في أمكنتهم وكشروا عن أنياب الحرب فوجموا من ثباتهم وسار العسكر حلقة واحدة. ولقد حكى لي بعض الحاضرين فإني كنت تأخرت من الثقل ولم أحضر هذه الواقعة لالتياث مزاجي أن عدة الخيل كان يحزرها المكثر سبعة عشر والمقل تسعة والرجال دون الألف فمن قائل ثلاثمائة ومن قائل أكثر من ذلك فوجد السلطان من ذلك مغيظة عظيمة ودار على الأطلاب يحثها فلم يجب دعاءه سوى ولده الملك الظاهر وقال له الجناح أخو المشطوب قل لغلمانك الذين ضربوا الناس يوم فتح يافا وأخذوا منهم الغنيمة وكان في قلوب العسكر من صلح يافا حيث فوتوهم الغنيمة ما كان وجرى ما جرى ما أثر هذا الأثر. فلما رأى السلطان ذلك رأى أن وقوفه في مقابلة هذه الشرذمة اليسيرة من غير عمل خسة في حقه وقد بلغني أن الأنكتار أخذ رمحه ذلك اليوم وحمل من طرف الميمنة إلى طرف الميسرة فلم يتعرض له أحد فغضب السلطان ثم أعرض عن القتال وسار حتى أتى بازور كالمغضب ونزل بها وذلك في يوم الأربعاء الثالث والعشرين من رجب وبات العسكر باليزك ثم أصبح يوم الخميس وساروا إلى النطرون ونزل به وأنفذ إلى العسكر فأحضر عنده فوصلنا إليه آخر نهار الخميس الرابع والعشرين فبات به فأصبح يوم الجمعة فسار إلى أخيه العادل يفتقده ودخل القدس وصلى الجمعة ونظر العمائر ورتبها ثم عاد من يومه إلى الثقل وبات فيه على النطرون. .ذكر قدوم العساكر: وأما رسول الملك فإنه عاد في ذلك اليوم فإن الملك العادل قد حمله رسالة مشافهة إلى الملك وعاد مع الحاجب أبي بكر إلى يافا فعاد أبو بكر وحضر عند السلطان في ذلك اليوم وأخبره أن الملك لم يتركني أدخل يافا وخرج إلي وكلمني في ظاهرها وكان كلامه إلي كم أطرح نفسي على السلطان وهو لا يقبلني وأنا كنت أحرص أن أعود إلى بلادي والآن قد هجم الشتاء وتغير الأنواء وقد عزمت على الإقامة وما بقي بيننا حديث. هكذا كان جوابه خذله الله تعالى. ولما كان يوم الخميس تاسع شعبان قدم عسكر مصر فخرج السلطان إلى لقائهم وكان فيهم مجد الدين هلدري وسيف الدين يازكج وجماعة الأسدية وكان في خدمته الملك المؤيد مسعود وقد أظهروا الزينة ونشروا الأعلام والبيارق فكان يوماً مشهوداً ثم أنزلهم عنده ومد الخوان ثم ساروا إلى منازلهم. .ذكر قدوم الملك المنصور ابن تقي الدين رحمه الله: .ذكر رحيله رحمه الله إلى الرملة: فلما سمع السلطان سيرهم إلى الملك العادل وأسرّ إلى ثقة عنده أن يمضي إلى الملك العادل ويقول له إن نزلوا عن عسقلان فصالحهم فإن العسكر قد ضجروا من ملازمة البيكار والنفقات قد نفدت فسار ضحى الجمعة سابع عشر شعبان. .ذكر الإجابة إلى النزول عن عسقلان: ولما كان يوم السبت ثامن عشر شعبان أنفذ بدر الدين وذكر أنه أخذ يده على هذه القاعدة بمن يثق به وأن حدود البلاد على ما استقر في الدفعة الأولى مع الملك العادل فأحضر السلطان الديوان فذكروا يافا وأعمالها وأخرج الرملة ويبنا ومجدل يابا، ثم ذكر قيسارية وأعمالها وأرسوف وأعمالها وحيفا وأعمالها وعكا وأعمالها، وأخرج منها الناصرة وصفورية وأثبت الجميع في ورقة وكتب جواب الكتاب وأنفذه على يد طرنطاي مع الرسول، وكان قد وصل الرسول لتحرير القاعدة مع بدر الدين في عصر السبت وقال للرسول هذه حدود البلاد التي تبقى في أيديكم فإن صالحتم على ذلك فمبارك قد أعطيتم يدي ولينفذ الملك من يحلف ويكون ذلك في غداة غد، وإلاّ فيعلم أن هذا تدفيع ومماطلة ويكون الأمر قد انفصل من بيننا، وساروا في بكرة الأحد على هذه القاعدة. ولما كان العشاء الآخرة يوم الأحد وصل من أخبر بوصول طرنطاي ومعه الرسول واستأذن في حضورهما، فأذن رحمه الله في حضور طرنطاي وحده، فذكره أن الملك قد وقف على تلك الرقعة وأنكر أنه نزل عن ذلك فقال: إذن أنا قتلته فلا أرجع عنه. قولوا للسلطان مبارك رضيت بهذه القاعدة وقد رجعت إلى مروءتك، فإن زدتني شيئاً فمن فضلك وإنعامك. ثم سار واحضر الرسل ليلاً، وأقاموا إلى بكرة وحضروا عند السلطان بكرة الإثنين فذكروا ما استقر عن صاحبهم ثم انفصلوا إلى خيمهم، وحضر عند السلطان أرباب المشورة واستقر الأمر وانفصلت القاعدة وسار الأمير بدر الدين دلدرم إلى الملك العادل وأخذ الرسل معه في صورة من يسأل في زيادة الرملة وعاد في عشاء الآخرة ليلة الإثنين وكتبت المواضعة وذكر فيها شروط الصلح ثلاث سنين من تاريخها وهو الأربعاء الثاني والعشرين من شعبان سنة ثمانية وثمانين وخمسمائة ويراد فيها الرملة لهم ولدّ أيضاً، وسيّر العدل وقال له إن قدرت أن ترضيهم بأحد الموضعين أو مناصفتها فافعل ولا يكون لهم حديث في الجبليات، ورأى السلطان ذلك مصلحة لما عرا الناس من الضعف وقلة النفقات والشوق إلى الأوطان ولما شاهده من تقاعدهم عن يافا يوم أمرهم بالحملة فلم يحملوا فخاف أن يحتاج إليهم فلم يجدهم، فرأى أن يحييهم مدة حتى يستريحوا ويتبعوا غير هذه الحالة التي صاروا غليها ويعمر البلاد ويشحن القدس بما يقدر عليه من الآلة ويتفرغ لعمارتها. وكان من القاعدة أن عسقلان تكون خراباً وأن يتفق أصحابنا وأصحابهم على خرابها خشية أن نأخذها عامرة فلا نخربها فمضى العدل على هذه القاعدة واشترط دخول البلاد الإسلامية واشترطوا هم دخول صاحب أنطاكية وطرابلس في الصلح على قاعدة آخر صلح صالحناهم عليه، واستقر الحال على ذلك، وسارت الرسل وحكم عليهم أن لابد من فصل الحال إما الصلح وإما الخصومة خشية أن يكون هذا الحديث من قبيل أحاديثه السابقة ومدافعاته المعروفة. وفي ذلك اليوم وصل رسول سيف الدين بكتمر صاحب خلاط يبذل الطاعة والموافقة وسير العساكر وحضر رسول الكرج وذكر فصلاً في معنى الزيادات التي لهم في القدس وعمارتها وشكوا أنها أخذت من أيديهم ويسأل عواطف السلطان أن يردها إلى نوابهم ورسول صاحب أرزن الروم يبذل الطاعة والعبودية.
|